قراءة في رسالة  السلطان الظاهر برقوق للسلطان أبي العباس الحفصي المتعلقة بأسرة عبد الرحمن بن خلدون

فوزية كرراز: دكتوراه في العلوم، اختصاص تاريخ وحضارة الغرب الإسلامي، أستاذة محاضرة قسم العلوم الإنسانية – جامعة معسكر – الجزائر

 

ملخص: عرف المغرب الإسلامي عقب انهيار الدولة الموحدية قيام ثلاثة دول اقتسمت المجال، وهي الدولة المرينية والزيانية والحفصية، ولم يكن التقسيم الجغرافي فيما بينهم عاملا كافيا لردء الصراعات السياسية والعسكرية المستمرة بين الأطراف الثلاثة،مما أثر على مجالات الحياة، ومنها بشكل خاص الجانب العلمي.

         ومع أن المغرب الإسلامي عرف آنذاك العديد من العلماء في مختلف الاختصاصات، إلا أنّ البعض منهم فضّل الهجرة نحو المشرق الإسلامي، ولعل العلامة عبد الرحمن بن خلدون(ت808ه) أشهر هؤلاء، وله في ذلك دوافع جمة، منها اغتيال أخاه الأصغر يحيى، ومقتل صديقه لسان الدين بن الخطيب نتيجة الدسائس، ويضاف إلى هذا وذاك عدم تحقيق طموحه السياسي في أحد البلاطات المذكورة، فترك كلية مجال السياسة وتفرغ للتأليف وفضّل الهجرة إلى مصر  ومنها أداء فريضة الحج.

ما يجب التنويه له أن لجوءه إلى المشرق كان في شكل فرار  من السلطات المغربية، الأمر الذي جعله يترك أسرته عالقة بالبلاط الحفصي، ولم يكن له بد إلا مخاطبة السلطان الظاهر برقوق للتدخل كوسيط، فلبى هذا الأخير  رغبته؛ بحيث وجّه برسالة للسلطان أبو العباس أحمد الثاني الحفصي بإفريقية بهذا الشأن. 

         ظاهريا يبدو أن الرسالة عادية، لما تعلق موضوعها باستقدام أسرة، إلا أن المتمعن فيها يجدها احتوت دلالات سياسية وعلمية وإدارية في غاية الأهمية داخل الدولة المملوكية على عهد السلطان الظاهر برقوق بالدرجة الأولى. كما أنها تكشف عن علاقات السياسية بينها وبين السلطة الحفصية بإفريقية خاصة والمغاربية عامة.

هذا ما نريد الكشف عنه في المداخلة باعتماد منهج البحث التاريخي الأكاديمي. من منطلق طرح إشكالية رئيسة وهي: هل توجيه السلطان الظاهر برقوق الرسالة للسلطان الحفصي كانت فقط نتيجة تلبية رغبة عبد الرحمن ابن خلدون؟ أم لهدف لأغراض أخرى؟